فلسفة الأحزاب، في 26 أبريل 2016، (مجديات أخي الحبيب الراحل المقدم مجدي صقر، رحمه الله، وطيب ثراه)!

الحمد لله رب العالمين!

كان المسلمون أمة واحدة، وكان رسول الله بينهم يجمعهم ويحفظهم من التفرّق، وأكد مرارا أهميّة الجماعة والالتفاف حولها، وحذر كثيرا من الاختلاف والتشرذم والتحزّب. أنشأ النبي نظاما اشتراكيّا برلمانيّا (مجلس شورى)، رئاسيّا يعتمد على أغلبية الآراء في اتخاذ القرارات. وجعل الإسلام للإمام (الأمير، الرئيس)، خصوصية تغليب رأي على آخر مع إلزام الجماعة به، ما دام لا يحل حراما أو يحرم حلالا، أي لا يخالف القواعد الدستوريّة والقيم الأخلاقيّة العليا. ويمكن القول إنه لم توجد في المجتمع الإسلامي أحزاب بمفهومها الغربي الحديث، بل تسلسل هرمي مرن يتّفق على المبادئ الأساسية، ويسمح بالاختلاف، و يعتمد رأي الأغلبية؛ فإذا تحقق نجاح نسب للكل، وإذا وقع إخفاق في أمر ما لم يأس عليه، ونهض سريعا وتجاوز الأزمة؛ فما إن قضى رسول الله -صلى الله عليه، وسلم!- حتى بدت بوادر الفتنة، ومن أهم أسبابها:
1) حب السلطة والرئاسة والاحتيال للوصول إليها.
2) عدم التوزيع الجيد للسلطات والمسؤوليات بين المستويات القيادية وتعظيم سلطة الإمام وتقديسه أحيانا.
3) حياة الترف والبذخ التي كان يعيشها الحكام وأعوانهم، على خلاف ما كان عليه رسول الله والخلفاء الراشدون، وعلى خلاف ما أوصى به النبي الحكام، مما أغرى الكثيرين بالطمع في السلطة، على غير ما كان عليه رسول الله وصحبه الأوائل.
4) توريث السلطة وصعوبة انتقالها وتداولها بين الأكفاء. وانتقل هذا الوباء من الجماعات السياسية إلى الجماعات العلميّة والفقهيّة، مما أشاع لدى العلماء فضلا عن الأمراء، الرغبة في الاستقلال بدويلات أو إنشاء جماعات، ليصبح كل قائد جماعة أمير دويلة، وكل أستاذ شيخ طائفة أو مدرسة!
وبمرور الأيام والاحتكاك بالثقافات المختلفة في العالم واكتساب الخبرات، عرف بعضهم أهمية تنوع الأفكار والمدارس السياسية ( الأحزاب). ويمكن أن يكون بالدولة الإسلامية أحزاب، لكن بشروط، أهمها:
1) عدم اعتقاد أي فرد أو جماعة أو مدرسة فكرية أو حزب، امتلاك الصواب المطلق؛ فهو لله وحده، ورأيه ورأي غيره مجرد اجتهاد يحتمل الصواب والخطأ.
2) عدم إلزام أفراد الحزب تبني آراء الحزب، و تتاح لهم فرصة التعبير عن رأيهم بغير اعتبار ذلك خروجا عن الحزب أو الجماعة.
3) طاعة الحاكم في أي قرار يتخذه ولو خالف رأي الحزب، وعدم الخروج عليه ما لم يخالف معلومًا من الدين بالضرورة، مع تعظيم سيادة الدولة وإعلائها فوق الجماعات والأحزاب.
4) شرح أفكار الحزب للأفراد والأحزاب الأخرى بتهذيب، والتحاور رغبة في الوصول للحق.
5) تأليف قلب الطرف صاحب الرأي المخطئ، واحترام محاولته واجتهاده في الوصول للحق، والعمل على نشر المحبة والسلام بين جميع أفراد المجتمع.
6) تعظيم الدور الاجتماعي المحلي للحزب، ومحاولة ظهور أفراده بأنهم قدوة صالحة لباقي أفراد المجتمع.
و لابد لنا أن نعرف أن الأحزاب و الجمعيات السياسية والمدارس الفكرية الموجودة في الغرب بشكلها الحالي، إنما هي نتيجة لعوامل، أهمّها:
1) لم يتوفر لدي الغرب منهج فكري متكامل وعميق الأثر في نفس الفرد وسلوك الجماعات، كالثقافة والمنهج الإسلامي الذي يحقق الرقي والسلام الاجتماعي.
2) طغيان الحكام وسيادة مبدأ السطو والاستئثار والهيمنة بين الأفراد (العوام و الخواص)، مما نزع ثقة الأفراد بأنفسهم وبمجتمعهم، وجعلهم في حالة تحفز دائم؛ فظهر التحزّب والتنافر.
وبقراءة متأنية للتاريخ السياسي المصري، نجد أن النظام السياسي المصري الأمثل والمتكرر عبر تاريخها الألفي، هو نظام بيروقراطي هرمي عسكري، تزاوجت فيه سلطة الدولة وسلطة المجتمع، ونجد أن انتماء الموظفين العمومييّن المعيّنين أو المنتخبين إلى أي حزب أو جماعه ذات طابع أو نشاط سياسي، يخل بالضرورة بانتمائهم للوطن، ويجعل انتماءهم للحزب أو الجماعة حائلا يمنعهم من العمل بإخلاص لرفعة الوطن، كما يجعلهم يكرسون جهودهم ومراكزهم والسلطات الممنوحة لهم بحكم هذه الوظائف، لتدعيم وتقوية الحزب أو الجماعة على حساب الدولة؛ لذا قد يكون من الأفضل خلق نموذج مصري حتى لو اختلف كثيرا أو قليلا عن النمط الغربي في الحكم والعمل السياسي.
أقترح إنشاء هيئة عامة خارج سلطة الحكومة، تكون مسؤولة عن إعداد القادة وتحقيق التنمية العلمية القانونية والسياسية والإدارية لمنتسبيها، تنتشر فروعها في كل المدن حزبًا مركزيًّا ومعهدًا تعليميًّا. ويمكن أن تنشئ هذه الهيئة برلمانًا وحكومة موازية لتدريب السياسيين المبتدئين على مهام الحكم قبل توليه فعلا، وتنتخب القيادات الرئيسية والفرعية لهذه الهيئة من خلال الأعضاء دون تمييز، ويمكن أن يكون لها في الميزانية مخصص مالي. حفظ الله مصر والمصريين!

Related posts

Leave a Comment